أباح الإسلام للإنسان أن يحيا حياة طيبة وأن يظهر بأحسن المظاهر وأبهجها ما دام لا يتعدى على حق أحد ولا يبغي على أحد , فقد جاء في القرآن الكريم :
(قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده , والطيبات من الرزق , قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة , كذلك نفصل الآيات لقوم يعلمون , قل إنما حرم ربي الفواحش , ما ظهر منها وما بطن , والإثم والبغي بغير الحق , وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون) .
فالحرام في دين الله هو الشرك والكذب والبغي والإثم والفواحش , والعيش على حساب الناس , اما أن يتقلب الإنسان في نعم منحه الله إياها , ويعيش في ترف ونظافة فذلك أحب إلى الله من المؤمن الضعيف ,وقد قال رسول الله (ص) : (المؤمن القوي خير وأحب الى الله من المؤمن الضعيف), وقال : الفقر هو الموت الأكبر , ثم قال الإمام علي (ع) لولده محمد بن الحنفية : يا بني إني أخاف عليك الفقر , فاستعذ بالله منه , فإن الفقر منقصة للدين مدهشة للعقل , داعية للمقت , وقال الغنى في الغربة وطن , والفقر في الوطن غربة, وقال : كاد الفقر يكون كفرا !!! وقال الصحابي أبو ذر الغفاري : إذا ذهب الفقر إلى بلد قال له الكفر خذني معك!
أما حياة التقشف التي كان يحياها محمد (ص) فلا يمكن أن أن نستدل بها على أن التقشف هو شئ يطلبه الله , وإنما هو جهاد للنفس كانوا يساوون به الفقراء , ليسنوا للحكام مساواة ضعفاء الرعية ...
فلا يجوز أن يشبع الحاكم العادل وفي رعيته جائع واحد , وقد قال الإمام علي (ع) : أأبيت مبطانا وفي اليمامة من لاعهد له بالشبع ولا طمع له بالقرص , وقد جاء الإمام , العلاء بن زياد الحارثي وكان من أصحابه وقال له : يا أمير المؤمنين أشكو إليك أخي عاصما , فإنه لبس العباءة وتخلى عن الدنيا لعبادة الله , فقال علي به , فلما جاءه قال : يا عدو نفسه لقد استهام بك الخبث –أي الشيطان- أما رحمت أهلك وولدك ؟ أترى لله أحل لك الطيبات , وهو يكره أن تأخذها ؟
أنت أهون على الله من ذلك , فقال أمير المؤمنين : هذا أنت , في خشونة ملبسك ,وخشونة مأكلك ! ..قال: ويحك إني لست كأنت ان الله فرض على ائمة العدل أن يقدروا أنفسهم بضعفة الناس...
فمعنى الزهد في نظر الإسلام أن لا تطغى على الإنسان النزعة المادية على النزعة الروحية , والجانب الدنيوي على الجانب الأخروي , كما قال الله تعالى في عزيز كتابه : (وابتغ فيما أتاك الله دار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا واحسن كما أحسن الله إليك , ولاتبغ الفساد في الأرض إن الله لا يحب المفسدين , وكما قال الإمام علي (ع) : (إعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا , واعمل لآخرتك كأنك تموت غدا) وكما قال سيد الخلق (ص) :
(ليس الزهد أن لا تملك شيئا , إنما الزهد أن لا يملكك الشئ) .