إعلم عزيزي الصائم أن في كل هذه الأدعية التي تتضرع بها في النهار وفي الليل وفي السحر حامدا مسبحا مستغفرا ذاكرا مهللا مكبرا منفتحا في كل آلامك تفرشها بين يدي ربك , لابد لنا أن نختزن ذلك كله وأن نتثقف بذلك كله لأن ذلك يمثل ثقافة يمتزج فيها الفكر بالروح وتمتزج فيها حركة الدنيا بحركة الآخرة , فأنت لا تبتعد عن دنياك عندما تطلب من الله أن يزقك ويمنحك الصحة والعافية والولد والأمن وما إلى ذلك , ولكنك تجعل ذلك كله في إتجاه الآخرة , وبذلك فأنت تعيش في دنياك آخرتك كما تعيش في مادتك روحك وفي فكرك عاطفتك , وهذه هي قيمة الثقافة الإسلامية التي جاء بها القرآن , فهي ليست ثقافة معلبة وكلنها ثقافة تقتحم الإنسان .
إقرأ القرآن جيدا لتجدوا أن القرآن يحدثكم عن الجانب الفكري بالأسلوب العاطفي , ويحدثكم عن الجانب العاطفي بما لا يبتعد عن حركة الفكر ويحدثك عن الله ليتقرب الله إليك في وعيك فتشعر أن الله معك في نومك ويقظتك , وإن اللع معك في مرضك وفي عافيتك وأن الله معك في خوفك وأمنك (لاتحزن إن الله معنا) (التوبة 40) , وتشعر بأن هذا الإحساس العميق بمعية الله هو الذي يعطيك السكينة التي يفيضها الله عليك من خلال الإندماج في رحاب ربك.
وهكذا , لابد لنا من أن نجعل الدعاء حالة يومية عندنا , حتى أن أغلب أدعية شهر رمضان ليست مخصوصة في معانيها ومضمونها في شهر رمضان , فعندما تقرأ (دعاء الإفتتاح) مثلا فإنه دعاء تستطيع أن تفتتح به خطوتك ويومك ورحلتك إلى ربك , وبحيث تتحرك مع الله في كل صفاته وتنفتح على الرسالة في رسول الله (ص) وعلى الولاية في الأئمة (ع) وتنفتح على كل حالة الجهاد والصراع حتى تصل إلى أن تعلن رغبتك إلى الله في دولة إسلامية يعز الله بها الإسلام وأهله , ويذل بها النفاق وأهله وتتحول فيها إلى داعية إلى طاعة الله, وأن تكون مشروع قائد في سبيل الله لتحصل بذلك على كرامة الله , ثم لتخلتم ذلك بأن تطلب من الله أن يعرفك الحق ولتكون كل حركة حياتك بالحق بحيث يكون الحق هو سر حياتك.
الحاجة إلى الزاد الروحي:
إننا بحاجة إلى هذا الزاد الروحي وهذا الدعاء الغني بالمعطيات لأنه كما قلنا – فيه ثقافة الروح وفيه ثقافة العقل وفيه حركية العقيدة في كل تفاصيلها , سواء كانت العقيدة بالله أو بالرسول أو باليوم الآخر أو بأولياء الله , إننا نقرأ إسلامنا , في هذا التراث من الدعاء , لذلك لا تجعلوا الدعاء مجرد موسم تدخلونه في وقت معين أو زمان معين لأن الله قال لنا (إدعوني أستجب لكم) (غافر 60), ولأن الله قال لنا من دون وقت ومن دون مكان (وإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان) , ولأن الله هددنا على بعض التفاسير (قل ما يعبأ بكم ربي لولا دعائكم فقد كذبتم فسوف يكون لزاما) (الفرقان 77) , والمقصود بها الدعاء كما هو القرينة في الآية (إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين).
الجمعة أبريل 23, 2010 4:17 am من طرف 
